درس مهم جداً لكل سالك إياك أن تفوته
كيف تستفيد من شيخك في حالة بعده وعدم تمكنك من صحبته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :
أحبتي أهل اللـه أينما كانوا و تعينوا من قريب أو بعيد :
أجمع القوم من الصوفية وأهل الله تعالى على ان ملازمة الشيخ والقرب منه هي من اهم الآداب في التصوف وهذا الامر له فوائد كثيرة جدا ولا غنى عنها ابدا وهي تسهل على المريد سيره وسلوكه في الطريق الى الله تعالى.
وقد قال سيدي عبد القادر الجيلاني في الفتح : (( ينبغي على المريد ان لا يفارق شيخه حتى تنفتح عين قلبه )) واوصى الكثير من الشيوخ بالالتزام بباب الشيخ ومخالطته وصحبته بقدر الاستطاعة بل تكاد تكون هي التصوف بذاته وهي الطريقة في حقيقتها الصحبة لكن هل هناك من وسيلة وطريقة للانتفاع بالشيخ وهو بعيد هذا سؤال يحير الكثير من السالكين لكن لو كان الشيخ بعيدا عن المريد ويتعسر على المريد ان يلازم الشيخ ويصحبه فماذا يفعل ؟ وما الحل؟
وخاصة ان الزمن تغير والظروف تغيرت واحوال المعيشة تغيرت كثيرا فيصعب على الكثير مخالطة الشيخ وربما يكون في بلد لا يمكن الوصول اليها ويتعسر ذلك والظروف كثيرة اليوم ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تمنع الكثير من ملازمة الشيوخ بل ان الشيوخ كثير منهم لا يستطيع ان يتفرغ للمشيخة والارشاد كما كانوا في القديم حيث كانت متطلبات الحياة محدودة ولا يكلف المريد الا ان يركب دابته او يمشي على رجليه ويأخذ زاده من الطعام ويتوجه الى شيخه اما اليوم فلا يستطيع ذلك وهذا سؤال طرحه الكثير منكم ويعاني منه الكثير منكم ماذا نفعل ببعد الشيخ وهل هناك من سبيل للسلوك
الجواب:
نعم هذا ميسر وسهل ان شاء الله تعالى، طبعا احبابي السلوك الى الله تعالى له اركان فإذا اكتملت الاركان وصل الانسان لمراده ومطلبه وهذه الأركان هي:
الركن الأول : المقصد والغاية وهي (( الله )) ومعناها الوصول لرضاه ومحبته.
الركن الثاني: السالك وهو المريد .
الركن الثالث : المرشد وهو الشيخ .
الركن الرابع : وهو المنهج: وهي الطريقة المتبعة في السلوك..
اما الغاية : وهو الله فهو في كل مكان ولا يحده مكان وهو من كون المكان فأينما تولوا فثم وجه الله
واما السالك: فهو انت ولابد لك من توافر بعض الشروط التي لابد لك منها حتى تسير الى الله وان تتولد لديك الهمة العالية.
اما الركن الثالث وهو الشيخ: فهم كثر والحمد الله وان صدقت واخلصت وفقك الله لشيخ تسلك بين يديه وكما قلنا من الآداب (الملازمة) لكن اذا تعسرت عليك فعليك ان تعلم ان حقيقة العلاقة بينك وبين المرشد هي علاقة روحية وليست جسدية والعلاقة الروحية لا يشترط فيها تلاقي الاجساد ولكن يشترط فيها صفاء الارواح ونقاء الارواح وطهارة الارواح فإن توفرت فيها الصفات الثلاثة (الصفاء والنقاء والطهارة) اكتملت والتقت بأمثالها وتتلقى الارشاد والتوجيه عن امثالها وعن من هي ارقى منها كما ان الجسد يتلقى من الجسد فالروح تتلقى عن الروح ولها حواس كما للجسد .
ومعنى صفاء الروح: صفاءها من الكدورات التي تعكرها وهي الاخلاق القلبية الذميمة
ومعنى نقاء الروح: ان تكون خالية من الصفات التي لا تليق باهل الكمال
واما طهارة الروح: فمعنى ان تكون خالية من كل ما فيه سوء وذميمة بمعنى ان تحجب جسدها عن المعاصي
وبعبارة اخرى:
الروح الصافية تحجب القلب عن امراضه .
والروح النقية تحجب العقل عن امراضه .
والروح الطاهرة تحجب الجسد عن امراضه .
فإذا كانت الروح بهذه الصفات لم يفرق عندها قرب الشيخ او بعده لان العمل صار للروح و كما قال القائل : لئن نائت بنا الاجساد فالأرواح تتصل ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الارواح جنود مجندة ما توافق منها ائتلف وما تنافر منها اختلف.
والسؤال الاهم هو: كيف نصل بأرواحنا لهذه الصفات؟
الوصول يكون بالتمسك بالركن الرابع وهو المنهج والتحقق به فإن عملت بمنهج الشيخ وآداب طريقته التي يعطيك اياها ارتقيت بروحك لما ذكرناه من الصفات وبتلك الصفات تطوي البعد والمسافات وتتحقق بأعلى المقامات وتصل لمنتهى الغايات ،
طبعا وهنا لابد من الاشارة ان هذا الاتصال الروحي يتوقف على ثلاثة امور اساسية لابد منها يتوقف عليها قوة الاتصال الروحي وضعفه.
الأول: هو قوة الشيخ المرشد وعلو همته فهمة الشيخ عندما تكون قوية وقادرة تستطيع الوصول الى المريد حيثما كان وتقوم بعملها المطلوب من الإرشاد .
الثاني: همة السالك وتأتي بالالتزام بالمنهج والاتيان بالمطلوب وهذا مهم جدا فمهما بلغت همة الشيخ ان لم تجد استقبالا من همة المريد فلن يفلح الامر والا لما كان بين المسلمين من عاصي فكلنا نتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ليس الجميع يتحقق بالوصال ولا يتحقق بالوصال الا من كان في احسن الأحوال وفي احسن الاقوال والافعال ، اذا لابد من همة السالك وقد قيل ((همم الرجال تزيل الجبال))
الأمر الثالث: هو قدرة وامكانية ونوعية المنهج المتبع في السلوك وهذا مهم جدا فالذي يركب سيارة ليس كالذي يركب طيارة والذي يسير ليس كالذي يمشي والسيارات تختلف نوعيتها وسرعتها وهذا امر معلوم وكم من سالكون يقضون سنوات كثيرة في السير لكن لا يصلون لمرادهم لضعف المنهج ونعرف الكثير ممن قضى سنوات عمره وهمته قوية لكن منهجه لا يؤدي الغرض فلابد للمنهج من ان يكون مناسبا .
و باختصار المنهج هو : مجموعة الأعمال والآداب من اوراد واذكار وطاعات يكلف الشيخ بها المريد ، بمعنى اعمال الطريقة المأخوذة عن الشيخ
والسؤال هو كيف يستطيع المريد التغلب على حاجز البعد؟
ساذكر لكم الان الأمور التي تعين على ذلك فكلنا يعاني ويجد صعوبة في التمسك بالمنهج الصحيح الذي يوصل لهذا، ولكن نعطيكم الان مقومات وامور تعين السالك في تقوية الصلة الروحية حتى لو كان ضعيفا واعتقد هذا اهم ما في الموضوع وكلكم ينتظر هذا الامر كلنا ضعفاء وكلنا يصعب عليه التمسك الكامل فهل من سبيل مع ضعفنا وتقصيرنا حتى تكتمل همتنا ونتمسك؟ ليس هذا صحيح ام اني مخطئ.
احبابي: هناك عدة امور لو فعلها المريد كانت له عونا في الاتصال الروحي وهي
اولا : الاطلاع على سيرة الشيخ وشيوخ الطريقة بقدر الاستطاعة لان الاطلاع على السيرة يعرفكم بالشيخ والمعرفة تولد المحبة والمحبة هي اساس اتصال الارواح
ثانيا: الاتباع بقدر الاستطاعة ولا تكلف نفسك الا وسعها ، لكن المحبة لا تكون صادقة ودائمة الا بالاتباع ولا دليل على المحبة الا الاتباع .
تعصي الاله وانت تظهر حبه == هذا لعمري في القياس بديع
لو كــان حبك صادقا لاطعته == ان المحب لمن يحب مطــيع
دعوى المحبة دون عمل باطلة ولكنها تصلح بأمر ممكن ان تستوي المحبة معه فالبعض يحتج بقول الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم: عندما سأله عن الساعة فقال له: وما اعددت لهها قال: ما اعددت لها كثرة صوم ولا صلاة غير اني احب الله ورسوله. قال العلماء: هذا ما عدا كثرة صوم ولا صلاة يقصد النوافل الزائدة عن المطلوب
ثالثا: اعطاء السلوك الاهمية القصوى في حياتك ويجب ان يكون السلوك هو ما يؤرق حياتك وقد قال اهل الطريق : ان لم تعطي الطريقة كلك لن تعطيك جزء منها
رابعاً: الالتزام بالرابطة الشريفة في كل يوم مرة على الاقل فإنها تجذب الارواح لبعضها وتخترق بالرابطة عالم الروح العجيب حتى ان بعض الصوفية قالوا الرابطة اهم من الورد الامر,
خامساً: الدعاء لشيخه على الدوام وهذا امر له اثر عجيب جدا وبمثله يدعو لك شيخك بظهر الغيب فاكثر من الدعاء للشيخ في كل وقت وحين فإنه يرقيك بهمته ويولد عندك محبة عجيبة الامر,
سادساً: حاول الاتصال بشيخك باي وسيلة ممكنة لو امكنك حاول زيارة الشيخ ولو في السنة مرة في سنتين في ثلاث المهم ان تكون نية الزيارة موجودة وان تعسر عليك حاول الاتصال به على الهاتف برسالة باي شيء المهم ان تذكره بنفسك دائما وتكون ممن يمرون على قلبه وسمعه وبصره وخواطره.
ويقوي هذا كله عندك مصاحبة اخوتك في الطريق وهذا امر ضروري جدا فعندما تجالس اخوتك في الطريق تذكرون بعضكم وتتذاكرون وتذكرون شيخكم.
هذه الطريقة التي تعالج بها غيابك وبعدك عن الشيخ والله تعالى اعلم ان اصبنا بفضل الله وبركتكم وان اخطانا من انفسنا وشيطاننا غفر الله لنا على التقصير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين